السبت 10 مايو 2025 12:05 صـ 12 ذو القعدة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

نسور الحضارة تُحلّق في سماء القاهرة .. هل بدأت مصر إعادة رسم خريطة تحالفاتها العسكرية؟

الجمعة 9 مايو 2025 07:20 مـ 12 ذو القعدة 1446 هـ
من التدريب المصري الصيني نسور الحضارة 2025
من التدريب المصري الصيني نسور الحضارة 2025

مناورات بطابع استراتيجي .. شهدت مصر خلال الأسابيع الماضية حدثًا عسكريًا لافتًا، تمثّل في انطلاق أول تدريب جوي مشترك بين القوات الجوية المصرية ونظيرتها الصينية، تحت عنوان “نسور الحضارة 2025”، لم يكن هذا التدريب مجرد مناورة اعتيادية تُدرج في جدول الشراكات العسكرية الثنائية، بل حمل رسائل رمزية واستراتيجية تتجاوز الطابع التدريبي، لتلامس بعمق التحولات الجيوسياسية الإقليمية والدولية.

جرت المناورات على مدار 18 يومًا في إحدى القواعد الجوية المصرية، بمشاركة واسعة من طائرات مقاتلة متعددة المهام من الجانبين، إلى جانب طواقم الدعم والتخطيط والتجهيز الفني، وشهدت التدريبات تدريبات على الهجمات الدقيقة، الدفاع عن الأصول الاستراتيجية، التزود بالوقود جوًا، والقتال الجوي متعدّد السيناريوهات، في مشهد يعكس انسجامًا لافتًا بين القواتين.

حضور رفيع المستوى ومشهد رمزي فوق الأهرامات

المناورات شهدت حضورًا بارزًا من قيادات عسكرية رفيعة، على رأسهم قائد القوات الجوية المصرية، ورئيس أركان القوات الجوية الصينية، بالإضافة إلى السفير الصيني في القاهرة. وكان لافتًا تحليق المقاتلات الصينية فوق أهرامات الجيزة، في صورة رمزية مثقلة بالدلالات، أُدرجت سريعًا ضمن مؤشرات تآكل النفوذ الأمريكي في منطقة لطالما اعتُبرت حديقة خلفية لواشنطن.

الجيش المصري وصف التدريبات بأنها جزء من استراتيجية شاملة لتعزيز الجاهزية القتالية، وتوطيد الشراكات العسكرية مع الدول “الصديقة والحليفة”، في إشارة إلى أن التعاون مع الصين لم يعد استثناءً، بل بات خيارًا استراتيجيًا يجري تثبيته ضمن عقيدة الدفاع المصرية.

الصين تتمدد في السماء العربية

من الجانب الصيني، فإن هذه المناورات تأتي في سياق أوسع من التحركات الصينية المتسارعة لتوسيع نفوذها خارج حدود آسيا، وتحديدًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فبعد تعزيز التعاون مع دول الخليج، وتوسيع النفوذ في إيران، وتنفيذ مناورات بحرية مشتركة مع روسيا وطهران، باتت بكين حاضرة في معادلات التسلح والتدريب العسكري لدولة محورية مثل مصر.

صحيفة Global Times الصينية وصفت هذه المناورات بأنها "أول انتشار منظم للقوات الجوية الصينية بهذا الحجم في القارة الإفريقية"، مشيرة إلى أن القوات الصينية نجحت فور وصولها إلى القواعد المصرية في إنجاز عمليات الانتشار، وتجهيز المعدات، وتنسيق الخطط القتالية، وتنفيذ الطلعات التدريبية، ما يعكس قدرة جيش التحرير الشعبي على خوض عمليات عسكرية بعيدة المدى بكفاءة عالية.

المشهد المصري: سياسة سيادية في مواجهة النفوذ الأمريكي

إعلام الدولة في مصر لم يكن بعيدًا عن هذا التحول. فقد وصفت صحيفة ديلي نيوز إيجبت المناورات بأنها "إعلان للسيادة"، مشيرة في أحد مقالاتها إلى أن مصر، لعدة عقود، كانت تخضع لمعادلة غير متكافئة مع واشنطن، تتحكم فيها الأخيرة في نوعية الأسلحة المسموح بها للقاهرة، بما يضمن الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة.

وجاء في المقال: "مناورات الأسبوع الماضي لم تكن مجرد تدريب عسكري، بل كانت رسالة إلى واشنطن وتل أبيب معًا: مصر لن تقبل أن تبقى حليفًا من الدرجة الثانية."

تحليل كهذا، يصدر من وسيلة إعلام محسوبة على الدولة، لا يمكن تجاهله، لا سيما أنه يتقاطع مع تصريحات سابقة لمسؤولين عسكريين مصريين عن نية القاهرة تنويع مصادر تسليحها، ورفضها البقاء رهينة لإرادة جهة واحدة، خاصة بعد تأخر أو عرقلة تسليم صفقات غربية على خلفيات سياسية.

رسائل عسكرية واستراتيجية متعددة الأبعاد

من الناحية التقنية، فإن مشاركة الصين بطائرات من طراز "جي-10 سي"، المجهزة بصواريخ "PL-15" بعيدة المدى، يعكس حرص بكين على إظهار أفضل ما في جعبتها من قدرات قتالية. كما أن قبول الجانب المصري باستخدام هذه المقاتلات في مناورات علنية، في سماء القاهرة، لا يُفهم إلا باعتباره موافقة رسمية — أو حتى تمهيدًا عمليًا — لعقد صفقة تسليحية مستقبلية.

وتشير تقارير غير مؤكدة إلى أن مصر قد تكون تسلّمت بالفعل دفعة أولى من هذه الطائرات مطلع العام الجاري، ما يفسّر وجود طيارين مصريين في قمرة القيادة أثناء التدريبات، وهو أمر نادر في المناورات الدولية.

التحول الجيوسياسي: القاهرة تبحث عن توازن جديد

السياسة الدفاعية المصرية، كما تبدو اليوم، تتجه نحو التوازن الاستراتيجي بين الشرق والغرب. فبينما تحتفظ القاهرة بعلاقات عسكرية متينة مع الولايات المتحدة ودول أوروبية كفرنسا وألمانيا، فإنها في الوقت نفسه تُعمق تعاونها مع الصين وروسيا، بشكل يجعلها في موقع تفاوضي أقوى، ويمنحها هامشًا أكبر من الاستقلالية في اتخاذ قراراتها السيادية.

ويرى مراقبون أن ما جرى في "نسور الحضارة 2025" ليس مجرد رسالة عسكرية، بل هو خطوة مدروسة في إطار سياسة إعادة تموضع شاملة، تسعى من خلالها القاهرة إلى تثبيت مبدأ "مصلحة الدولة أولًا"، والانفتاح على شراكات جديدة قد تكون أكثر احترامًا لخصوصية الدولة المصرية واحتياجاتها الأمنية.

رسائل في السماء وأبعاد على الأرض

تحليق الطائرات الصينية في سماء القاهرة، وظهور طيار مصري في قمرة قيادة مقاتلة "جي-10 سي"، لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لإعادة رسم خريطة التحالفات العسكرية في المنطقة. وبينما تُجري الولايات المتحدة مراجعة لدورها العالمي، وتغرق أوروبا في أزماتها، فإن الصين تملأ الفراغ بهدوء وثقة، ومصر تفتح الأبواب أمام شراكة قد تعيد ترتيب موازين القوة.

الرسالة وصلت إلى واشنطن وتل أبيب على حد سواء: السماء لم تعد حكراً لأحد.

مصر والصين، مناورات نسور الحضارة 2025، القوات الجوية المصرية، التعاون العسكري المصري الصيني، الطائرات الصينية في مصر، جي-10 سي، الطيار المصري، الصين في الشرق الأوسط، الصفقات العسكرية، التفوق الجوي المصري، العلاقات المصرية الصينية، توازن القوى في المنطقة، النفوذ الأمريكي، Global Times، القوات الجوية الصينية، تدريبات مشتركة، صواريخ PL-15، الدفاع الجوي المصري، العلاقات العسكرية الدولية، الجيش المصري، مصلحة الدولة أولًا.